المقاطعة (الجزء الثاني)

عرف العالم والتاريخ الكثير من الثنائيات، ثنائية العلم والايمان، الشعر والموسيقى، الحلم والواقع وغيرهم من الثنائيات. ولاستكمال الحديث عن أهمية المقاطعة وأن تكون نهج وسلوك شعبي تلقائي ودائم، يجب فهم ثنائية الاقتصاد والسياسة والعلاقة بينهم.

من المعروف أن العلاقة بين الاقتصاد والسياسة علاقة توأمة وتكامل وتلازم ويؤثر كل منهم على الأخر ولا يمكن فصلهم عن بعض أو الحديث عن أحدهم دون الحديث عن أو الربط مع الأخر.

للتعمق وللحديث بشكل مفصل عن العلاقة بين الاقتصاد والسياسة ومن منهم يؤثر على الأخر، يجب تقسيم العالم لنصفين، نصف العالم المتقدم والنصف الثاني العالم الثالث أو النامي.

العالم المتقدم يستخدم كافة أدوات الدولة السياسية لخدمة وتحقيق أهداف وأغراض اقتصادية، فنجد على سبيل التوضيح عندما إستخدمت الولايات المتحدة أهم أداة سياسية لديها وهو رئيس الدولة وكانت أولى الخطوات التي إتخذها الرئيس الأمريكي ترامب عندما تسلم السلطة هو أنه شن حرب تجارية على الصين من خلال فرض غرامات على الواردات الصينية وذلك لتخفيض عجز الميزان التجاري وهو الفرق بين الصادرات والواردات والذي قدر آنذاك بحوالي ٣٧٥ مليار دولار لصالح الصين. وهنا دليل واضح أن أمريكا تستخدم أدواتها السياسية لخدمة مصالحها الاقتصادية.

وإذا ما عدنا قليلا إلى منتصف القرن الماضي، نجد أن التاريخ لم ينسى إتفاقية bretten woods عام ١٩٤٤ عندما إستخدمت أمريكا قوتها السياسية والعسكرية بعد الحرب العالمية الثانية وانهيار كل القوي العسكرية العظمى (المانيا، اليابان، بريطانيا المنهكة من الحرب وفرنسا التي كانت محتلة) لتطويع الدول اقتصاديا وفرض نظام مالي عالمي لخدمة أهدافها الاقتصادية طويلة المدي ومن ضمن بنود الإتفاقية التي حضرها ٤٤ دولة هو ربط الذهب بالدولار، حيث تم تثبيت سعر أونصة الذهب عند ٣٥ دولار، ثم إستيقظ العالم على صدمة كبيرة عندما تنصلت بعد ذلك الولايات المتحدة من الإتفاقية والمعروفة إعلامياً "بصدمة نيكسون" سنة ١٩٧١ بعد أن أُغرقت الدول في إحتياطات دولارية لم يكن من السهل التخلص منها أو الإعتراض عليها للحفاظ على قيمتها. وصف الإقتصاديين هذا الحدث بأنه أكبر عملية إحتيال في تاريخ البشرية وهو تصدير فكرة أن الدولار هو العملة الرئيسية لكل العالم والغطاء الأمثل لكل الاقتصادات بعد أن كان الغطاء ذهبي ... وهنا أيضاً مثال أخر على إستخدام القوة السياسية والعسكرية لفرض هيمنة اقتصادية.

هذا ولم يكن بالأمر الجديد على الولايات المتحدة في إستخدام القوة السياسية في فرض إتفاقيات وتعهدات مضللة، حيث أنها والعالم في غفلة عن أمره ربطت أيضاً المعاملات البترولية والتجارية بعملتها حتى أُطلق على دول الخليج الدول البترودولارية وأصبح لدى الولايات المتحدة قدرة على شراء ثروات العالم بورقة المائة دولار التي لا تتعدى تكلفتها العشرون سنت.

أما النصف الأخر من العالم وهي الدول النامية، نجد أن الغالبية تستخدم الأدوات الاقتصادية لخدمة وتحقيق أهداف وأغراض سياسية، بعضها مشروع كخدمة الإنفاق العسكري إذا ما كانت الدولة في منطقة ملتهبة وتعاني من احتكاكات جيوسياسية مع الجيران والبعض الأخر غير مشروع عندما يُسخَر الاقتصاد وموارد الدولة لخدمة أشخاص أو احزاب دون وجود جدوي اقتصادية.

بشكل عام، يتضح أن الاقتصاد والسياسة يترابطان ويعتمد تأثير كل منهما على الأخر في العالم المتقدم والعالم النامي ويساهم في فهم الديناميكيات الاقتصادية والسياسية وتحقيق التنمية المستدامة والاستقرار الاقتصادي.

ياسر الجمل

المستثمر المحلي أولاً وأبداً